جاءت إتفاقية (السلام) الأمريكية، وحدّ السيف مُسلط على رقبة الشعب الفلسطيني، والدماء الطاهرة تسيل شلالات في غزة والضفة، ففي كل يوم، وحتى العاشر من أكتوبر ٢٥، يسقط يومياً حواليّ المائة شهيد، حتى وأثناء ما كانت المفاوضات على أشُدها، بل وزادت في الوقت نفسه وتيرة العدوان الصهيوني على لبنان، وجن جنون قطعان المستوطنين في الضفة والقدس خاصة، وكأن النتن ياهو يعلن صراحة للعالم عدم الوثوق به، وعدم التصديق بما يسمى اتفاقية السلام!
ويُخال للمرء المتتبع لتطور الأحداث، بأن الوفد الأمريكي (ابنة ترامب وصهره مع ويتكوف)، وهم يؤدون مسرحية استغباء العقل العربي عمومًا، خاصة بعد أن ذهب الثلاثة للصلاة أمام حائط البراق إثباتًا لولائهم للصهيونية.
وقد خطر في ذهني المثل القائل: (من يشهد للعروس)، عندما بدأ الثلاثة يكيلون المديح لترامب وخطته!
ويخيّل للمرء أن كل ما حدث ويحدث كان مخططاً له منذ أمدّ بعيد، فمنذ بداية العدوان الصهيوني على غزة وأنا أسمع بأن الحرب ستستمر سنتين، وبالفعل ما إن هلّ ٧ أكتوبر ٢٥، حتى بدأ التوقيع على اتفاقية ( السلام الأمريكي)! ومع ذلك لم يتوقف العدوان الصهيوني على أهلنا في غزة إلا في ١١ اكتوبر ٢٥.
لماذا لم يفكر ترامب في هذه الخطة منذ بداية العدوان الصهيوني؟ لماذا انتظر سنتين حتى أصبحت غزة أثراً بعد عين؟ لماذا أعلن الآن عن هذه الاتفاقية المُلغمة بالأفخاخ في كل بند من بنودها؟
ومن وجهة نظري، لا ثقة أبدًا في الصهاينة ولا في المتصهينين، وترامب أكثر تصهيناً من كل من سبقوه.
ويُخال للمرء بأن الهدف من كل ذلك، هو إلغاء جميع الاتفاقيات العربية الصهيونية السابقة، بدءاً من كامب ديفيد حتى أوسلو، مروراً بوادي عربة، واستبدالها جميعاً، بالاتفاقيات الإبراهيمية فقط، لتثبيتها وتعميمها على جميع أنظمة الدول العربية. لأن هذه الاتفاقيات أسوأ بكثير من كل ما سبقها. لأنها اتفاقيات الانبطاح والخذلان، وليس اتفاقية بين طرفين لكل منهما مصلحة فيها.
ويعلم الجميع بأن اليمين المتطرف الذي يقوده أمثال النتن وسموترش وبن غفير، يريدون استمرار العدوان واحتلال غزة والضفة، وتهجير الشعب، لكن أيضاً يشعر المرء بالمسرحية وتوزيع الأدوار بينهم، وبين أحزاب المعارضة الصهيونية، ولا يستبعد المرء أنه بعد تسليم حماس الرهائن الصهاينة يعود العدوان الصهيوني وشلال الدم، لكن الهدف الأبعد لديهم هو توقيع كل الأنظمة العربية على الاتفاقيات الإبراهيمية.
الآن كل دول العالم الشريفة، وكل الشعوب الحُرّة تتوجه أنظارها نحو المأساة الإنسانية، والإنقاذ العاجل للشعب الفلسطيني في غزة، وذلك بتوفير كل مقومات الحياة من الماء والطعام والمأوى والكهرباء وإعادة بناء المدارس والمستشفيات، وكل المؤسسات المهدمة، من أجل إنقاذ حياة مليون فلسطيني.
وبصراحة حتى إعادة إعمار غزة، نشك في المستفيد من المليارات التي ستنهمر على غزة، ذلك لأن الشعب الفلسطيني آخر ما يفكر فيه قادة (السلام) الأمريكي، وطبعاً بالنسبة لهم كل فصائل المقاومة مستبعدة، وعلى رأسها حماس، بل وحتى السلطة الفلسطينية خارج اللعبة.
كما أن أنظار العالم موجهة نحو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، هل حقاً دولة حقيقية أم شكلية أم وهمية ؟
بصراحة "أني في شك من بغداد إلى جدة" بحسب تعبير مظفر النواب.
ونعتقد أن الدولة العميقة في السعودية ومصر وحتى سوريا وغيرها من الدول العربية الكبرى، تدرك جيداً حجم الأخطار المستقبلية المُحدقة بوجودها وشعبها ودولها وأرضها، وعليهم وضع الاحتياطات اللازمة للغدر الصهيوني.
---------------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام